بسم الله
الرحمن الرحيم
من باب تعلم الأحكام الشرعية
العملية
أحكام
الدماء الخارجة من رحم المرأة
تـمـهـيـد
تعيش المرأة في شهرها
أوقاتاً معلومة في عالم خاص بها دون الرجل, فلها أيام تخصها هي دون الشاب,
الذي
في سنها, فلها أحوال لا يطلع عليها إلا المقربات منها, ثم يبدأ جسدها
يستعد للقيام بدور هام سيلقى على عاتقها
دون الشاب, وهو دور الحمل
والولادة, فتعيش بمفردها هذه التحولات, إن لم يشاطرها زوجها ويرافقها خلال
رحلة شهورية ملزمة لا مفر من ان تستوعب هي وحدها تغيراتها, ثم بعد سنوات
طوال تستريح من هذا كله.
فالمرأة دون الرجل: لها أيام حيض, ثم زمن حمل, ففترة نفاس. فإذا أراد
الخالق الرازق أن يوجد بعد لذة
عاشتها, بنكاح صحيح أو سفاح, قد لا تدرك
احياناً, إن لم تتسلح بالعلم الشرعي والدنيوي, ما يليها من عملية
خلق
وإيجاد لكائن جديد مثلها بأحشائها, ـ وأدعي أن بعضهن ـ قد لا يدركن الأحكام
الشرعية العملية المتعلقة
بأحكام الحيض والنفاس والطهارة.
فبعد أن تعي الدنيا
والعالم من حولها تفاجأ- غالباً- بما يسيل من تحتها, ولسان حالها يقول....
"
دم ... يا إلهي ما أصابني" ,
فإن لم تتهيأ من قبل
بشكل شرعي فقهي أو علمي بتركيبتها الأنثوية ووظيفة أعضائها ذات العلاقة,
فقد يحدث
لها بعض الاضطرابات.
ولعل الجيل الثاني من
بناتنا يحتاج لهذه الأحكام
الشرعية, حيث أن قرينتهن غير المسلمات المجاورات لهن
والمتعايشات معهن, ليس
لديهن عموماً هذا الجزء الهام من أحكام الطهارة, وإن كان لديهن أمور أخرى
يطلق
عليه النظافة الشخصية/ العامة.
ولعله معلوم لدينا أن
هناك فارق كبير بين الطهارة والنظافة, فمثلاً أنتِ نظيفة, وقت الحيض أو
النفاس, ومع
ذلك لست طاهرة لأداء الصلاة.
وسوف نتعاون مع أهل
العلم, من الإخوة الأطباء والصيادلة, لإلقاء مزيد ضوء حول هذه المسائل.
لذلك رأيناأن نقدم لنسائنا المسلمات
والغير مسلمات, وأخواتنا وبناتنا, هذا البحث الفقهي القائم على الشرع
الإسلامي بمصدريه القرآن الكريم, تنزيل الخبير العليم, والسنة العطرة على صاحبها
أفضل الصلاة والتسليم,
والمبني على ارآء وأقوال أم المؤمنين السيدة عائشة
رضي الله تعالى عنها وعن أبيها, وأقوال من علماء
المسلمين من السلف
والتابعين, وأصحاب المذاهب المعتبرين عن أحكام الدماء الخارجة من رحم
المرأة.
والنساء ثلاث:
مبتدأةٌ ومعتادةٌ ومستحاضة, ويزيد بعض أهل العلم من فقهاء المالكية
والشافعية دون الحنابلة
والحنفية رابعة وهي الحامل, ولكل منهن حكمها.
وهذه هي الحلقة
الأولى منه .
مقدمة
ونحن نتحدث عن مسألة
الحيض يجب علينا أن نذكر أول امرأة في تاريخ البشرية, أقصد حوّاء عليها
السلام,
وغنيٌ عن التعريف أن زوج آدم (1) عليه السلام هي حوّاء عليها
السلام.
وآدم, هو أوّل من
سماها بذلك حين خُلقت من ضلعه من غير أن يَحُسّ عليه السلام بذلك, ولو ألِم
بذلك لم
يَعْطِف رجل على امرأته, فلما آنتبه قيل له: " من هذه ؟ ", قال:"
امرأة ", قيل: "وما اسمها؟ ", قال : " حوّاء ",
قيل:" ولِمَ سُمِّيَتْ
امرأة ؟ ", قال: " لأنها من المرء أخِذت", قيل: " ولم سُمِّيَتْ حوّاء ؟ ",
قال: " لأنها خُلقت من
حي ".
ــــ
1.) خلق آدم
جامع الأصول 4 30, الفصل الثالث.
ــــ
روي أن الملآئكة
سألته عن ذلك لتجرب علمه وأنهم قالوا له: " أتحبها ياآدم ؟ " قال: "نعم ",
قالوا لحوّاء:"
أتحبينه ياحوّاء", قالت: " لا " !!!.
وفي قلبها أضعافُ
مافي قلبه من حبه. قالوا: "فلو صدقت امرأةٌ في حبها لزوجها لصدقت حوّاء" .
الباب
الأول خلق
المرأة
الفصل الأول ما قيل قديماً
حكى ابن عباس وابن
مسعود وناس من الصحابة رضي الله عنهم أنهم قالوا:" أُخرِج ابليس من الجنة
حين
لُعن, ولما أُسْكِن آدم الجنة كان يمشي فيها مستوحشاً, وليس له فيها
زوج يسكن إليها, فنام نومة فاستيقظ, فإذا
عند رأسه امرأة قاعدة, خلقها الله
من ضلعه, فسألها:" من أنت؟ ", قالت:" امرأة ", قال:" ولمَ خلقت؟ ", قالت:"
لتسكن إليَّ ", فقالت الملآئكة ينظرون مابلغ علمه:" ما اسمها ياآدم ",
قال:" حوَّاء", قالوا: "ولم سميت حواء ؟ "
, قال:" لأنها خلقت من شئ حي ".
قال سبحانه وتعالى{وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ
وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً
حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ
تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِين}[البقرة:35],
وعن ابن عباس قال: "
إنما سميت حواء لأنها أمّ كل حي ".
وفُهمَ من الآية أن
حواء خلقت قبل الدخول إلى الجنة, ويقال أن خلق حواء كان بعد دخول الجنة.
وسياق الآية
يقتضي أن حواء خلقت قبل دخول آدم الجنة.
حدثنا ابن حميد قال
حدثنا سلمة بن الفضل, وذكر محمد بن أسحاق عن ابن عباس, قال:" لما فرغ الله
تعالى من
معاتبة إبليس أقبل على آدم عليه السلام وقد علمه الأسماء كلها فـ:{قَالَ
يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ
بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ
تَكْتُمُون}[البقرة:33] قال:" ثم
ألقى السِّنة على آدم " - فيما بلغنا
من أهل الكتاب من أهل التوارة وغيرهم من أهل العلم - فعن عبدالله بن
العباس
وغيره, أنه قال:" ثم أخذ ضِلعَاً من أضلاعه من شقه الأيسر, وَلأم مكانها
لحما, وآدم عليه السلام نائم لم
يهبّ من نومه, حتى خلق الله سبحانه تعالى
من ضِلعَه تلك, زوجه حواء, فسواها امرأة ليسكن إليها, فلما كشف
عنه السِّنة
وهبَّ من نومته رآها إلى جنبه فقال - فيما يزعمون والله أعلم -: لحمي ودمي
وزوجتي, فسكن
إليها فلما زوَّجه الله عز وجل وجعل له سكناً قال له
قُبُلاً, أي عياناً:{وَقُلْنَا يَا آدَمُ
اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ
مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ
شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ
الْظَّالِمِين}[البقرة:35].
وقيل أنها خلقت من
ضلعه القصر الأيسر وهو نائم ولأَم مكانه لحما ومصداق هذا في قوله تعالى{يَا
أَيُّهَا النَّاسُ
اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ
وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا
وَنِسَاء}[النساء:1].
وقوله سبحانه وتعالى{هُوَ
الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا
لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً
خَفِيفًا
فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ
آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِين}[الأعراف:189]
وعن مجاهد بن جبر في قوله
عز وجل {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا
وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء}[النساء:1].
قال: " أي حواء من
قُصَيْرَىْ(1) آدم, وهو نائم فاستيقظ فقال: " أثا " بالنَّبَطية, أي امرأة.
وفي رواية آخرى:"
فلما نام خُلقت حواء من ضلعه القُصْرَى من شقه الأيسر ليسكن إليها ويأنس
بها فلما أنتبه
رأها, فقال:" من أنت ", قالت:" امرأة خُلقت من ضلعك لتسكن
إليَّ ".
{خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ
مِنْهَا زَوْجَهَا }[الزُّمَر:6],
وكما ورد في سورة الأعراف : 189
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا
زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا }[الأعراف:189]
.
قال العلماء: "ولهذا
كانت المرأة عَوجاء, لأنها خُلقت من أعوج وهو الضَلع".
حدثنا سعيد بن أبي
عزوبة عن قتادة, أنه قال:" وخلق منها زوجها يعني حواء, خلقت من آدم من
ضِلَع من
أضلاعه".
هذه نُقُولٌ من
أقوالِ أهلِ الكتاب, وعلماء السلف, ولنا هدي النبي محمد صلى الله عليه وآله
وسلم في كيفية
معاملة النساء:" استوصوا بالنساء خيراً "
ــــ
1.) القصيرى: أسفل الأضلاع
ــــ
ففي الصحيحين من حديث
زائدة عن ميسرة الاشجعي عن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن
النبي
صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:" استوصوا بالنساء خيراً فإن
المرأة خُلقت من ضلع, وأنَّ اعوج
شئ في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته
وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيرا". هذا لفظ
البخاري.
وفي رواية مسلم:" إن
المرأة خُلقت من ضلع – وأنَّ اعوج شئ في الضلع أعلاه – لن تستقيم لك على
طريقة واحدة, فإن استمتعتَ بها استمتعتَ بها, وبها عِوَج وإن ذهبتَ
تُقِيمها كَسَرْتَها وكَسْرُها طلاقُها ".
وقال الشاعر:
هي
الضِّلَع العَوجاءُ لستَ تُقيمها ألاَ إنَّ تقويم الضلوع انكسارها
أتجمع ضّعفاً
واقتداراً على الفتى أليس عجيباً ضعفُها واقتدارها
وحواء هي التي أكلت
من الشجرة قبل آدم, وفي حديث البخاري:" لولا حواء لم تخن انثى زوجها".
وجاء في كتاب
التوراة:" الذي دل حواء على الشجرة هي الحية ثم أطعمت آدم ". فقد أخرج
البخاري
والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم قال:" لولا بنو إسرائيل لم
يخنز اللحم ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها
".
وفي
حديث طويل مروي عن طريق عبدالرزاق بن همام قال أخبرنا معمر بن عبدالرجمن
بن مهران قال
سمعت وَهْب بن مُنَبِّه يقول ...وذكر ... ثم قال الله تعالى:"
ياحوّاء أنت التي غرَرْتِ عبدي, فإنك لا
تَحملين حَملاً إلا حملتِه كرها,
فإذا أردت أن تضعِي ما في بطنك أشرفتِ على الموت مراراً....".